مستوحى من كتاب الشيخ أحمد حماني: "الصراع بين السنة والبدعة"

يعد الشيخ عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الإصلاحية في الجزائر، وقد وقف بحزم ضد مظاهر الشعوذة والخرافة التي انتشرت في المجتمع الجزائري، لا سيما خلال الحقبة الاستعمارية، حين سعت فرنسا إلى دعم الطرق الصوفية والمرابطين لتكريس الجهل وتمييع الدين الحقيقي.
دور الشيخ ابن باديس في تحرير العقول
بحسب ما رواه الشيخ أحمد حماني، أحد تلامذة ابن باديس، فإن هذا الأخير لم يكتفِ بالوعظ والخطابة، بل خاض معارك فكرية وميدانية ضد الدجالين والمشعوذين. كان يرى أن النهضة الدينية لا يمكن أن تتحقق إلا إذا تم تنظيف العقول من الأوهام، واعتبر أن الاعتقاد بأن أحدًا يملك ضرًا أو نفعًا من دون إذن الله هو شرك يخرج من ملة الإسلام.
مظاهر الشعوذة: الماضي والحاضر
كان الشيخ بن باديس من أوائل من نبه إلى خطورة الطقوس المرتبطة بالشعوذة، من تعليق التمائم، ودفن الصور والأقفال في المقابر، إلى الترويج لخرافات الجن والسحر. والغريب أن هذه المظاهر ما تزال حاضرة اليوم، بل وتجد من يؤمن بها بين فئات متعلمة، ما يدل على أن المعركة الفكرية لم تنتهِ بعد.
حملة "تنظيف المقابر": نوايا طيبة ووعي ناقص
شهدت الجزائر مؤخرًا حملات شعبية من بعض الشباب لتنظيف المقابر من الطلاسم والتعاويذ، وهي مبادرات تنبع من نية حسنة، لكنها تكشف عن فهم ناقص لطبيعة السحر والخرافة. فالقرآن الكريم يعلّمنا أن السحر لا يضر إلا بإذن الله، وقد قال تعالى:
"وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" – البقرة: 102
كما قال النبي ﷺ:
"ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء"
تشوهات العقل أخطر من تشوهات القبر
إذا كانت بعض القبور تتعرض لانتهاكات مادية كقطع الأعضاء أو دفن أشياء مشبوهة، فإن الأخطر هو ما يحدث لعقول الناس، حين تصبح رهينة للخرافات والأساطير، بدلاً من أن تكون منفتحة على العلم والدين الصحيح.
رسالة إلى المجتمع: العودة إلى فكر النهضة
الصحف القديمة للشيخ ابن باديس مثل "المنتقد" و"الشهاب" لم تكن تعجّ بأحاديث الجن والسحر، بل ناقشت قضايا الأمة، ونشرت فتاوى شرعية تعالج مشكلات الناس بعقلانية. إنها دعوة لأن نعود إلى هذا الفكر المنهجي، وأن ننتقل من التصديق بالأساطير إلى التسلح بالعلم والإيمان الصحيح.
خاتمة
الشيخ عبد الحميد بن باديس لم يكن فقط مصلحًا دينيًا، بل قائدًا فكريًا سعى إلى تحرير العقول قبل تحرير الأجساد. معركته مع البدعة لم تكن شكلية، بل كانت عميقة، هدفها توجيه الأمة نحو وعي إسلامي صحيح. واليوم، ما أحوجنا إلى إعادة بعث هذا الفكر في زمن كثرت فيه الفتن والادعاءات الكاذبة باسم الدين.